كيف يؤثّر المكان علميًا على الجهاز العصبي، السلوك، والقرارات المصيرية
بقلم: السيدة شيراز النصيري
أخصائية نفسية إكلينيكية – ماستر فانغ شوي وطبّ المكان
يُختزل الفانغ شوي في الخطاب الشائع في كونه فنّ ترتيب الأثاث أو اختيار الألوان، بينما في جوهره الحقيقي هو علم تأثير البيئة المكانية على الإنسان نفسيًا، عصبيًا، وسلوكيًا.
في الفانغ شوي الكلاسيكي وطبّ المكان، لا يُنظر إلى الفراغ على أنه حيّز محايد، بل كمنظومة ديناميكية تتفاعل باستمرار مع الجهاز العصبي، الإدراك، وأنماط اتخاذ القرار.
المكان كمنظّم عصبي غير مرئي
من منظور علم النفس العصبي والنيورو-أركيتكتشر،الإساءة يتفاعل الدماغ بشكل لا واعٍ مع البيئة المحيطة عبر:
الإضاءة
التوجّه المكاني
الكتل والفراغات
تدفّق الحركة
التوازن أو الفوضى البصرية
هذه العناصر تُرسل إشارات مستمرة إلى الجهاز العصبي اللاإرادي، وتحديدًا:
الجهاز الودي (Sympathetic Nervous System) المسؤول عن الاستنفار والتوتر
الجهاز نظير الودي (Parasympathetic Nervous System) المسؤول عن التهدئة، الاستشفاء، والتركيز
المكان غير المتوازن طاقيًا يضع الجهاز العصبي في حالة يقظة دفاعية مزمنة، حتى دون وجود خطر حقيقي.
وهنا تبدأ أعراض لا يُربط بينها عادة وبين المكان، مثل:
توتر دائم غير مبرر
اضطراب النوم
صعوبة التركيز
سرعة الانفعال
قرارات متسرّعة أو تجنّبية
الفانغ شوي كعلم تنظيم العلاقة بين الإنسان والفراغ
في الفانغ شوي الكلاسيكي، لا يتم التعامل مع المكان بمعزل عن الإنسان، بل كجزء من منظومة ثلاثية:
الزمن (Time / BaZi)
الإنسان (الوعي، السلوك، الحالة النفسية)
المكان (Form & Qi Flow)
الفانغ شوي لا “يخلق” النجاح أو السلام النفسي، لكنه يهيّئ البيئة العصبية والنفسية التي تسمح بظهورهما.٨
عندما يكون تدفّق الطاقة في المكان مختلًا:
يبقى الإنسان في حالة مقاومة داخلية
تزداد الحاجة إلى الجهد النفسي
يصبح التغيير مرهقًا بدل أن يكون طبيعيًا
أما عندما يُعاد تنظيم المكان وفق مبادئ واعية:
ينخفض الضغط العصبي
يتحسّن التركيز دون مجهود قسري
تتغيّر السلوكيات تلقائيًا
تصبح القرارات أكثر هدوءًا ووضوحًا
لماذا لا يكفي العلاج النفسي وحده أحيانًا؟
في الممارسة الإكلينيكية، نلاحظ أن بعض الأشخاص:
يفهمون جذور مشكلاتهم
يملكون وعيًا عاليًا
يطبّقون تقنيات نفسية فعّالة
ومع ذلك، يعودون إلى نفس أنماط التوتر أو الاستنزاف.
أحد الأسباب الجوهرية لذلك هو أن المكان اليومي يعيد برمجة الجهاز العصبي كل يوم.
فالبيئة غير الداعمة:
تُضعف نتائج العلاج
تعيد تنشيط أنماط التوتر
تقلّل من استدامة التغيير
هنا يتقاطع علم النفس الإكلينيكي مع الفانغ شوي:
العلاج يعمل على الداخل،
والفانغ شوي يثبّت هذا التغيير عبر الخارج.
الفانغ شوي كأداة تنظيم قرار لا أداة تجميل
من الأخطاء الشائعة النظر إلى الفانغ شوي كأداة تجميلية أو رمزية.
بينما في حقيقته، هو علم يؤثّر مباشرة على جودة القرار.
الإنسان المتوتر عصبيًا:
يبالغ في تقدير المخاطر
يقلّل من رؤية الفرص
يتخذ قرارات دفاعية
أما الإنسان في بيئة داعمة:
يرى الصورة بشكل أوسع
يتحرّك من وضوح لا من ضغط
يختار بدل أن يردّ الفعل
الفانغ شوي هنا يعمل كـ منظّم صامت للسلوك والاختيار.
الخلاصة
الفانغ شوي ليس ديكورًا،
ولا طقسًا رمزيًا،
ولا وعدًا خارقًا.
إنه علم إدارة العلاقة بين الإنسان والمكان،
وأحد أهم الأدوات غير المباشرة لتنظيم:
الجهاز العصبي
الاستقرار النفسي
وضوح الرؤية
واتخاذ القرارات المصيرية
عندما يصبح المكان داعمًا،
يتوقّف الإنسان عن مقاومة الحياة…
ويبدأ بالتعاون معها